عرس بكل ما للكلمة من معناها، امتد من أقاصي الجنوب مروراً بضاحية العزة ولن يتوقف في بقاع الرجولة . هي معزوفة نصر بيّن صنعتها تلك السواعد لتُخرس من توهم أنه انتهى من كابوس رعب المقاومة وبات العصر، عصرَ التطبيع، فكانت أهازيج النصر تتعالى، مدوية في كل الأرجاء، معلنة أنْ هنيئاً لك يا لبنان بأحرارك ما حييت .
صبرُ الشهرين، والتزام قرار القيادة، تفجر اليوم إفراجاً عن مشاعر مخبوتة وعواطف مخبأة لتعلن تحريراً جديداً ونصراً عزيزاً صنعته سواعد أبناء نصرالله ليزهر تحريراً جديداً، وليسكت بل يخرس كل متفاخر من القريب أو البعيد، أنْ انتهى زمانكم وأهلاً بالتسويات، فكانت الرسالة الواضحة اليوم، بل الرسائل المجتمعة، أننا كنا، وما زلنا وسنبقى أقوياء، وأننا انتصرنا رغم كل الجراح التي اعتدنا تقديمها منذ كربلاء، ليكون نصراً جديداً لكل حر وشريف .
طيلة ستين يوماً تشبه الأعوام، انتظر أبطال الجنوب، ومعهم كثيرين من أحرار لبناننا بقسوة ومرارة وصبر وشوق كبير للعودة التي اعتادوها من سيد الوعد ورجال الله وهم الذين كانو علي يقين بأن"ستعودون الى الديار" وعادوا .
أحداث الساعات التي مرت لم تكن عادية وفيها الكثير من الحديث، بعد الكثير من التحدي .
صدر القرار بأن لا تمديد لوقف إطلاق النار، ولن يُسمح للصهاينة بالبقاء لوقت آخر مهما كلف الأمر، وهو ما حصل .
رسائل كثيرة، بُعثت الى المقاومة، من الصديق ومن العدو، بعضها تحذيري، وآخر تهديدي بأنه يجب أن ترضوا بالأمر الواقع وبالرغبة الإسرائيلية التي أيدتها أميركا، بالحاجة الى مزيد من الوقت للإنسحاب من أرض الجنوب، ولكن هيهات أن نسمح للخاسر بفروض شروطه، وأن يأخذ في السلم وعبر سراديب التفاوض، ما منعته عنه سواعد المقاومين، طيلة ستة وستين يوماً، فكان الزحف وكان التحرير الجديد، ليضاف نصراً في سجل من لم يعرف الهزيمة رغم كل آهات الفقدان .
لبنان الرسمي، أعلن الحياد ككثير سوابق، وهو الذي ما تجرأ يوماً من الوقوف في وجه السيد الأميركي، فكان موقف المقاومة واضحاً، أننا لن نستمع الى التهديدات التي ما أرعبتنا يوماً، ومن يظن أننا هزمنا أو يحاول إقناع نفسه وبيئته بالفكرة، فليرقب ماذا سيحدث .
وجاء الطوفان، ليؤكد المؤكد وليصدق الله وعده . نحن البداية ونحن النهاية، ونحن أصحاب الطلقة الأخيرة ويدنا هي المتفوقة دوماً، وبقرار الزحف، إنطلق الجنوبيون، الى قراهم وبيوتهم، ضاربين عرض الحائط كل تهديد أو وعيد، متيقينين بوعد رجال الله، الذين صدقوا دوماً وما بدلوا تبديلا، وكانت رسائل القوة ترافق أهل المعادلة الذهبية التي أطلقها السيد الشهيد يوماً، أن الشعب ماضٍ، يرافقه الجيش رغم الضغوط التي مورست عليه، وعيون المقاومة صاحية واليد على الزناد، والعدة لأي تدحرج قد أُعدت، لتلمع المعادلة الذهبية بنصر جديد، وهو ما كان .
لم تكن عيون المقاومين بعيدة عن رؤية الأحداث، ولا أيديهم بعيدة عن الزناد، ولا قلوبهم متوجسة من مواجهة القادم، وهم أهل الإمتحانات والبطولة .
بسرد بسيط عما حدث، أنه بعد التوكل على الله، كان القرار بالعودة الى الديار، في وقت أُفهم من يعنيهم الأمر أن النفوس والبنادق مشحوذة، وأن قرار مواكبة الموطنين أُخذ، مهما كلف الامر، وهو الأمر الذي دفع بالصهاينة الى كثير حسابات لأنهم خبروا هؤلاء الرجال ويعرفونهم جيداً أنهم أهل الوغى وأسياد الرجال .
ظل الصهاينة يحاولون الهروب من التهديد والوعيد نحو الأمام، وهو ما لم يعطهم نتيجة، لأن القرار اتخذ والرجوع ممنوع، وأنه اذا تم القبول بتأجيل الإنسحاب لو لأيام، ستكون هذه الأيام ربما سنوات كي تتحقق، وستصنع نصراً لنتنياهو، عجز أن يخطه بالنار .
صحيح أنه سقط بعض الشهداء وبعض الجرحى، ولكن لا يقاس النصر بتلك التقدمة، مع أناس اعتادوا تقديم ما يملكون، في سبيل العزة ورفعة الرأس .
خلاصة ما حدث، تأكد الصهاينة من جدية المقاومة، من خلال رؤيتهم للقوافل الإستشهادية التي قدمت ولن تتراجع، فأيقنوا بأن الأمر حُسم، وأن ما لم يستطيعوا تحقيقه في الحرب، لن يستطيعون في السلم من تحقيقه .
بعد ما شهدته ساعات اليوم، أشفق على البعض الذين أعلنوها جهاراً أن المقاومة انتهت، وأن اسرائيل انتصرت، ليتأكد ما هو واضح وجلي من نصر عزيز أضيف لرجال الله، وهزيمة جديدة لمن تعود أن يذوق الهزيمة أمام المقاومين .
لكل من شكك يوماً منذ شهرين حتى الآن ولكل من تباكى على المقاومة بأنها ذهبت لغير رجعة، أقول، أعد حساباتك، وتمهل قبل أن تطلق مواقف تزيد من وضاعتك ونفاقك أمام الجموع، ولبعضهم، يا حبذا لو تطلب إعادة بعض طلاتك الإعلامية، علّك تستطيع أن تحفظ بعضاً من ماء وجهك وتتفوه بتحليل قد يصدق يوماً، طريق ذلك أن تنطق الوقائع لا تتكلم بأمنياتك، لأنه كما يقول الشاعر" تجري الرياح بما لا تشتهي السفن" .
حمزة العطار